بين لنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا الإنكار الشديد كيف اختلفت الأمم من قبلنا ووقعت فيهم الفتنة وهلكوا باختلافهم عَلَى أنبيائهم، وما أكثر اختلاف النَّاس عَلَى أنبيائهم، ففي سورة المائدة عندما دعى نبي الله موسى عَلَيْهِ السَّلام قومه لأمر الله أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لهم فاختلفوا عليه، وَقَالُوا: إن فيها قوماً جبارين، إِلَى أن آل به الحال أن يقول عَلَيْهِ السَّلام ((رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي)) [المائدة:25].
واختلفوا حتى في الأمر البين الواضح الجلي((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة)) [البقرة:67] أمرٌ إلهي واضح صريح، فلو أخذوا أي بقرة وذبحوها لأجزأ، ولكنه الاختلاف والتنطع والتشدد ومحبة العناد والإخلاد إِلَى الدنيا والتحايل عَلَى أمر الله تعالى، والله لم يشدد عليهم أول الأمر فلما شددوا عَلَى أنفسهم شدد الله عليهم، ومثله حديث الرجل الذي في الصحيح لما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {حجوا فإن الله قد كتب عليكم الحج والعمرة، فقام رجل فقَالَ: يا رَسُول الله أفي كل عام؟ قَالَ: لو قلت: نعم لوجبت} ثُمَّ ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حال الأمم قبلنا وأنهم إنما هلكوا بكثرة سؤالهم واختلافهم عَلَى أنبيائهم، فالإِنسَان يقف عند حدود ما أنزل الله تَعَالَى ولا يجادل ولا يماري ولا يقف ما ليس له به علم فقَالَ: {باختلافهم عَلَى أنبيائهم} هذا أولاً.